Total Pageviews

Wednesday, May 15, 2013

تبيين كذب المفتري في نسبة رسالة الاستواء الي الامام ابي محمد الجويني




الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه وبعد ..

فإن الحشوية قد أكثروا من الكذب والبهتان على علماء وأئمة أهل السنة والجماعة، وإن ممن ابتلي بكذبهم وتزويرهم عليه الإمام أبو محمد عبدالله بن يوسف الجويني الشافعي الأشعري المتوفى سنة 438هـ ، وهو والد إمام الحرمين أبي المعالي عبدالملك الجويني الشافعي الأشعري الكبير والأصولي الخطير المتوفى سنة 478هـ ، وقد ظهرت وانتشرت في الآونة الأخيرة رسالة في مسألة (الاستواء والفوقية والحرف والصوت) من قرأها لم يشك أن صاحبها متأثر بالحشو مائل إليه، زعموا أنها من تأليف أبي محمد الجويني، وقد طارت هذه الرسالة وانتشرت جدا حتى جعلوها عمدتهم في رجوع الشيخ الجويني عن عقيدة أهل السنة والجماعة واعتناقه مذهب الحشوية، فوجب النظر في أمرها وتحذير المسلمين من شرها ببيان واضح وبرهان لأهل الحشو فاضح فكتبت هذه الرسالة الوجيزة على وجه السرعة أبين فيها ما فتح الله تعالى به مما يؤكد كذب نسبتها إلى الإمام الجويني.

أولا: التعريف بالجويني:

ذكره الحافظ ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري في ضمن طبقات الأشاعرة فقال:

((ومنهم الإمام أبو محمد الجويني والد الإمام أبي المعالي رحمه الله . كتب إلي الشيخ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي قال عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني ثم النيسابوري أبو محمد الإمام ركن الإسلام الفقيه الأصولي الأديب النحوي المفسر أوحد زمانه تخرج به جماعة من أئمة الإسلام وكان لصيانته وديانته مهيبا محترما بين التلامذة فلا يجري بين يديه إلا الجد والحث والتحريض على التحصيل له في الفقه تصانيف كثيرة الفوائد مثل التبصرة والتذكرة ومختصر المختصر وله التفسير الكبير المشتمل على عشرة أنواع في كل آية توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وأربعماية ولم يخلف مثله في استجماعه . وسمعت خالي الإمام أبا سعيد يعني عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري يقول كان أئمتنا في عصره والمحققون من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال والفضل والخصال الحميدة إنه لو جاز أن يبعث الله نبيا في عصره لما كان إلا هو من حسن طريقته وورعه وزهده وديانته في كمال فضله . وحدثني القاضي أبو بكر يحيى بن إبراهيم ابن أحمد بن محمد السلماسي بدمشق عن أبيه أبي طاهر قال قال أبو علي الحسن بن نصر بن كاكا المرندي الفقيه حدثني أبو القسم بن منصور بن رامس على ذكر أبي محمد الجويني قال من ألطف أخلاقه وأحسنها إنه رجل ركين الجملة وافر العقل جاد في أمره كله لا ترى فيه شيئا من الرعونة لمساواة ظاهره باطنه وموافقة سره علانيته وزهده في الرياسة التي صارت تطلبه وهو يهرب منها وترغب فيه وهو يبعد عنها..))اهـ. وقد ترجم له الإمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية وغيره، فمن شاء فليراجع ترجمته.

وليس في كلام كل من ترجم له وذكره من أهل العلم والتأريخ أن الشيخ الجويني رجع عن عقيدة أهل الحق إلى الحشو، وليس في شيء من ذلك أنه ألف ما زوروه عليه في تلك الرسالة المكذوبة، ولو كان الجويني عاد حشويا لوجدنا لذلك ذكرا في بطون الكتب ولرد عليه أهل الحق وبينوا خطأه، ولاهتم بأمر حشويته من كان يسعده ذلك من أهل الحشو، ولوجدنا نصوصا من رسالته هذه في مصنفات مثل ابن تيمية أو ابن قيم الجوزية أو الذهبي ونحوهم، ولكن لا شيء من ذلك ألبتة في الكتب والمصنفات، فكيف غفل كل هؤلاء عن ذلك؟ لا جواب على هذا إلا أن الرسالة المدعاة مزورة عليه مكذوبة وسيأتي التفصيل.

ثانيا : ما عرف عنه من حسن العقيدة:

للإمام الجويني مصنفات ذكر فيها عقيدته نقل منها الناس، آخرها عقيدة أصحاب الشافعي نقل منها الحافظ ابن عساكر في التبيين فقال:

((وذكر الشيخ الإمام ركن الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني رحمه الله في آخر كتاب صنفه وسماه عقيدة أصحاب الإمام المطلبي الشافعي رحمه الله وكافة أهل السنة والجماعة وقال ونعتقد أن المصيب من المجتهدين في الأصول والفروع واحد ويجب التعيين في الأصول فاما الفروع فربما يتأتى التعيين وربما لا يتأتى ومذهب الشيخ أبي الحسن رحمه الله تصويب المجتهدين في الفروع وليس ذلك مذهب الشافعي رضي الله عنه وأبو الحسن أحد أصحاب الشافعي رضي الله عنهم فإذا خالفه في شيء أعرضنا عنه فيه ومن هذا القبيل قوله أن لا صيغة للأمر وتقل وتعز مخالفته أصول الشافعي رضي الله عنه ونصوصه وربما نسب المبتدعون إليه إنه يقول ليس في المصحف قرآن ولا في القبر نبي وكذلك الاستثناء في الإيمان ونفي قدرة الخلق في الأزل وتكفير العوام وإيجاب علم الدليل عليهم وقد تصفحت ما تصفحت من كتبه وتأملت نصوصه في هذه المسائل فوجدتها كلها خلاف ما نسب إليه ولا عجب أن إعترضوا عليه واخترصوا فإنه رحمه الله فاضح القدرية وعامة المبتدعة وكاشف عوراتهم ولا خير فيمن لا يعرف حاسده ))اهـ.

كما أن الجويني أحد الموقعين على تزكية الإمام أبي الحسن الأشعري في جملة من علماء الأشاعرة، وكان كاتب الورقة التي وقعوها الإمام أبو القاسم القشيري الأشعري الكبير ونصها:

((بسم الله الرحمن الرحيم اتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه كان إماما من أئمة أصحاب الحديث ومذهبه مذهب أصحاب الحديث تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين من الملة سيفا مسلولا ومن طعن فيه أو قدح أو لعنه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة. بذلنا خطوطنا طائعين بذلك في هذا الذكر في ذي القعدة سنة ست وثلاثين وأربعمائة والأمر على هذه الجملة المذكورة في هذا الذكر وكتبه عبد الكريم بن هوازن القشيري وفيه بخط أبي عبد الله الخبازي المقري كذلك يعرفه محمد بن علي الجنازي وهذا خطه وبخط الإمام أبي محمد الجويني الأمر على هذه الجملة..))اهـ. وهذا المكتوب الذي ترى فيه توقيع الإمام الجويني كان سنة 436هـ أي قبيل وفاة الإمام بمدة قصيرة.

ومن مؤلفاته المطبوعة كتاب (التبصرة) وفيه الكلام الحسن الجميل من تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة، وإليك شيئا منه ص183:

((باب الإيمان: ( أن يعتقد حدوث العالم وقدم محدثة وأنه ليس كمثله شيء وتحقيقه أنه لا يتصور في الوهم وما دونه يقبل هذه الصفة والنهاية منفية عنه وليس بجوهر ولا جسم ولا عرض وانتفت عنه الكيفية والكمية والأينية واللمية وأنه حي قادر مريد سميع بصير متكلم له حياة وقدرة وعلم وإرادة وسمع وبصر وكلام لم يزل ولا يزال بهذه الصفات لا يشبه شيء منها شيئا من المخلوقات... وأنه قائم بنفسه مستغن عن مكان يقله وعن جسم يحله ليس له تحت فيكون تحته ما يسنده ولا فوق فيكون فوقه ما يمسكه ولا جانب يعضده أو يزاحمه ثم الاعتقاد بجواز الرؤية مع نفي الأوصاف المحدثة عنه .... فإن استمرت هذه العقيدة على هذه الشرائط واستقرت عليها بحيث لا يتشكك بالتشكيك ولا يرتاب بجدال أهل الإلحاد فقد سبق إليه الإيمان بحذافيره ..... وربما يتلو بآية أو يقرع سمعك خبر فيستولي على خاطرك عدوك كمثل آيات الصفات والاستواء على العرش واليد والعين وحديث النزول وما أشبه ذلك فمتى أشكل عليك لفظ شرعي في صفات الذات فاصرف ذلك اللفظ إلى الفعل مثاله قوله تعالى وهو معكم الآية وقوله { وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } وقوله { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } يحتمل والله أعلم من حيث العلم لا من حيث الذات ومن أثبت له مكانا مخصوصاً أو جعل العرش له قراراً قيل له كيف يكون العرش له قرار من حيث المكان وهو على العرش يعلم ما على الأرض (أينما كنتم) و ( أقرب إليكم من حبل الوريد ( فإن استعمل بأن يحمل قوله { وهو معكم } على صفات الفعل فكذلك يحمل الاستواء والنزول على صفات الفعل وإن اختير الإعراض عن تأويل قوله تعالى { وهو معكم } فليعرض عن تأويل الاستواء وحديث النزول ونظائرهما فإن من السلف الصالحين من اختار في هذه الظواهر ترك الكلام عليها مع الايمان بها وذلك طريقة حسنة ..)) اهـ ومن ينطق بهذا الكلام كيف يتصور أنه حشوي؟

وكان رحمه الله حسن الاعتقاد في علم الكلام، قال الحافظ ابن عساكر في التبيين:

((أخبرنا الشيخ أبو القسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الجرجاني الصوفي المعروف بالشعر بنيسابور قال سمعت أبا الحسن علي بن أحمد المديني يقول سمعت الإمام أبا محمد عبدالله بن يوسف الجويني يقول رأيت إبراهيم الخليل عليه السلام في المنام فأهويت لأن أقبل رجليه فمنعني من ذلك تكرما لي فاستدبرت فقبلت عقبيه فأولت الرفعة والبركة تبقى في عقبي ثم قلت يا خليل الله ما تقول في علم الكلام فقال يدفع به الشبه والأباطيل))اهـ.

وهذه العبارات من الإمام كافية جدا لبيان ما كان عليه من حسن الاعتقاد وجميل المذهب.
ثالثا: من هو الواسطي الحزامي؟ وما علاقته بالرسالة المزورة؟ 
هو شيخ من أهل القرن الثامن الهجري ذكره الحافظ في الدرر الكامنة فقال:

((أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن عماد الدين ابن الشيخ أبي إسحاق شيخ الحزامية الواسطي ثم الدمشقي الصوفي ولد سنة 657 وتفقه على مذهب الشافعي وتعبد وانقطع وكان يرتزق من النسخ وخطه حسن جداً وله اختصار دلائل النبوة وتسلك به جماعة وكان يحط على الاتحادية قال الذهبي تفقه وكتب المنسوب وتزهد وتجرد وتعبد وصنف في السلوك وشرح منازل السائرين وكان منقبضاً عن الناس حافظاً لوقته لا يحب الخوانك تسلك به جماعة وكان ذا ورع وإخلاص وله نظم حسن مات في شهر ربيع الآخر سنة 711))اهـ.

هذا كل ما ذكره الحافظ، وهي ترجمة ناقصة جدا، وستجد ترجمة هذا الرجل في عدة كتب أخرى كالعبر وشذرات الذهب والصافي وغيرها ولكن أوسعها ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب، فمن راجع ترجمته عند ابن رجب عرف أن الرجل كان ابن شيخ الرفاعية الأحمدية أصحاب سيدي أحمد الرفاعي وأنه نشأ صوفيا وتفقه على المذهب الشافعي، ثم رحل رحلات التقى خلالها بطوائف كثيرة منها أصحاب الطريقة الشاذلية فتأثر بهم وانتقل شاذليا، ثم قدر الله له لقاء ابن تيمية وأصحابه فأثر به، ومن نتائج هذا التأثر التي لم يتطرق لها الحافظ ابن حجر وعدد غيره أن الواسطي ترك المذهب الشافعي وتحنبل! ومن آثار ذلك أيضا أنه ترك ما كان سالكا به من الطرق الصوفية، وبسبب هذه التطورات التي مر بها الواسطي لم يترجمه الشافعية في طبقاتهم، ولكن ترجمه الحنابلة في طبقاتهم، فإذا عرفت هذا لم يصعب عليك تصور ما انتهى إليه الواسطي المذكور في باب العقائد خاصة وأنه ـ كما ذكروا عنه ـ كان مجانبا للعلوم العقلية عريا منها، وهذا من شأنه أن يؤثر سلبا على تفكير هذا الشيخ، وإليك هذه القطعة من كلام ابن رجب الحنبلي قال:
((ثم قدم دمشق، فرأى الشيخ تقي الدين ابن تيمية وصاحبه، فدله على مطالعة السيرة النبوية، فأقبل على سيرة ابن إسحاق تهذيب ابن هشام، فلخصها واختصرها، وأقبل على مطالعة كتب الحديث والسنة والآثار، وتخلى من جميع طرائقه وأحواله، وأذواقه وسلوكه، واقتفى آثار الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه، وطرائقه المأثورة عنه في كتب السنن والآثار، واعتنى بأمر السنة أصولاً وفروعاً، وشرع في الرد على طوائف المبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم، وبين عوراتهم، وكشف أستارهم، وانتقل إلى مذهب الإمام أحمد. وبلغني: أنه كان يقرأ في " الكافي " على الشيخ مجد الدين الحراني الآتي ذكره إن شاء الله تعالى..))اهـ

ولاحظ هذا أيضا من ترجمة ابن رجب له:

((وكان داعية إلى السنة، ومذهب السلف الصالح في الصفات، يُمِرها كما جاءت))اهـ.

ومما وقفت عليه أبيات رواها عنه الذهبي في معجم شيوخه منها:


إذا عرفت هذا كله سهل عليك أن تعرف أن رجلا كالواسطي الشافعي ثم الحنبلي والرفاعي ثم الشاذلي ثم التيمي لا يستبعد عليه أن يكتب رسالة في العقائد تكون مضطربة العبارة ملونة في مضامينها متخبطة يظهر على صاحبها الحيرة ويحار من يقرؤها أحشوي صاحبها أم لا؟؟ فالظاهر أن هذا الواسطي ألف رسالة في العقائد في مسألة الاستواء والفوقية والحرف والصوت وبقيت هذه الرسالة تتناقل عند الحنابلة ولا تظهر ولا تشتهر.


رابعا : السفاريني الحنبلي ينقل من رسالة الواسطي:

قال السفاريني الحنبلي المتوفى سنة 1188هـ في كتابه ((لوامع الأنوار البهية..))1/210:

((ذكر الإمام أبو العباس عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي الصوفي المحقق العارف تلميذ شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله سرهما الذي قال فيه شيخ الإسلام إنه جنيد زمانه في رسالته: (نصيحة الإخوان) ما حاصله في مسألة العلو والفوقية والاستواء هو أن الله عز وجل:

(( كان ولا مكان ولا عرش ولا ماء ولا فضاء ولا هواء ولا خلاء ولا ملأ وأنه كان منفردا في قدمه وأزليته متوحدا في فردانيته لا يوصف بأنه فوق كذا .. )) اهـ .

وساق السفاريني قطعة من هذه الرسالة، وأنت ترى هنا نص أولها، ولا شك أن السفاريني اطلع على مخطوطتها أو نقل ممن تقدمه من الحنابلة ..

والحاصل أن هذه الرسالة والتي سماها السفاريني كما رأيت بـ(نصيحة الإخوان) بقيت غير مشهورة حتى ظهرت مطبوعة أول مرة في سنة 1316هـ حيث طبع في الهند مجموع بعنوان (أربح البضاعة) يشتمل على رسائل في العقيدة، وهذا المجموع من ترتيب علي بن سليمان بن حلوة آل يوسف التميمي البغدادي، وهو من تلامذة محمود شكري الآلوسي، وتوجد من بين رسائل هذا المجموع رسالة بعنوان (عقيدة الواسطي) اشتملت على النصيحة التي ذكرها السفاريني وعزاها للواسطي.
(منقول)http://cb.rayaheen.net/showthread.php?tid=16283