Total Pageviews

Sunday, October 17, 2010

الحديث مضلة الا للفقهاء


(سئل)- ابن حجر الهيتمي - نفع الله به بما لفظه:
(الحديث مضلة إلا للفقهاء )هل هو حديث وما معناه مع أن معرفة الحديث شرط في مسمى الفقيه و أيما أعظم قدرا وأجل ذكرا ذكر الفقهاء أو المحدثين ؟


( فأجاب ) بقوله ليس بحديث وإنما هو من كلام ابن عيينة أو غيره ومعناه أن الحديث كالقرآن في أنه قد يكون عام اللفظ خاص المعنى وعكسه ومنه ناسخ ومنسوخ ومنه مالم يصحبه عمل ومنه مشكل يقتضى ظاهره التشبيه كحديث ينزل ربنا الخ ولا يعرف معنى هذه إلا الفقهاء ، بخلاف من لا يعرف الا مجرد الحديث فانه يضل فيه كما وقع لبعض متقدمي الحديث بل ومتأخريهم كابن تيمية وأتباعهم وبهذا يعلم فضل الفقهاء المستنبطين على المحدثين غير المستنبطين ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم "رب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقيه ليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه " وقوله : " وبلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج فمستنبطوا الفروع هم خيار سلف الأمة وعلماؤهم وعدولهم وأهل الفقه والمعرفة فيهم فهم قوم غذوا بالتقوى وربوا بالهدى أفنوا أعمارهم في استنباطها وتحقيقها بعد أن ميزوا صحيح الأحاديث من سقيمها وناسخها من منسوخها فأصلوا أصولها ومهدوا فروعها فجزاهم الله عن المسلمين خيرا وأحسن جزاؤهم كما جعلهم ورثة أنبيائه وحفاظ شرعه وشهود آلائه وألحقنا بهم وجعلنا من تابعهم باحسان انه الكريم الجواد الرحمن .
ووقفت امرأة على مجلس فيه يحي بن معين وزهير بن حرث وخلف بن صالح وجماعه يتذاكرون الحديث فسألتهم هل تغسل الحائض الميت فسكتوا فأقبل أبو ثور فأمروها أن تسأله فسألته فقال: نعم تغسله لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها إن حيضك ليس في يدك وأنها كانت تفرق رأسه صلى الله عليه وسلم وهي حائض فاذا فرقت رأس الحي فالميت أولى بذلك قالوا: نعم حدثنا بذلك فلان عن فلان فقالت لهم : أين كنتم إلى الآن وكان الأعمش يسأل أبا حنيفة رضي الله عنهما عن المسائل فيجيبه فيقول : من أين لك هذا فيقول : أنت حدثتنا عن النخعي بكذا أو عن الشعبي بكذا فيقول : الأعمش عند ذلك يا معشر الفقهاء نحن الأطيار وأنتم الصيادون لها وعن عطية قال : كنت عند شعبة فقال: يا أبا محمد إذا جاءتكم معضلة من تسألون عنها فقلت في نفسي هذا رجل أعجبته نفسه فقلت له نتوجه إليك والى أصحابك حتى تفتوا فما بقيت إلا قليلا حتى جاءه سائل فقال: يا أبا بسطام رجلا ضرب رجلا على أم رأسه فادعى أنه ذهب بذلك شمه فجعل يتشاغل عنه يمينا وشمالا فأومأت للرجل بأن يلح عليه فالتفت إلي وقال لي يا أبا محمد ما أشر البغي على أهله والله ما عندي فيه شيء أنت أنت فقلت يستفتيك وأنا أجيبه فقال أني سائلك فقال سمعت الأوزاعي والزهري يقولان يدق الخردل دقا بالغا ويشم فان عطس فقد كذب وان لم يعطس فقال جئت بها والله ما يعطس رجل انقطع شمه وقال ابن عبد البر : أراد ابن الأعمش الحج فلما بلغ الحيرة قال لعلي بن مشهد اذهب إلى ابن حنيفة حتى يكتب لنا المناسك ثم ذكر ابن عبد البر حكايات يطول ذكرها من تلبيس ابليس وغيره فذكر فيه جهل المحدثين معرفة الأحكام وقال ابن وهب كل صاحب حديث لا يكون له رأس في الفقه لا يفلح أبد ولولا أن الله تعالى أنقذنا بمالك لضللنا وقال بعضهم لا أجهل من صاحب حديث إن لم يتفقه فيه وقال مالك رضي الله عنه لأبني أخته بكر واسماعيل أراكما تحبان الحديث وتطلبانه قالا: نعم قال ان أحببتما أن تنتفعا به وينفع الله بكما فأقلا من الحديث وتفقها أشار رضي الله عنه الى أنه لابد من معرفة الحديث لكن العمدة إنما هي على التفقه فيه وفي أشياخ القاضي عياض لما كر أبا محمد بن العربي المشهور حكى من حديثه عن عماد بن محمد بن مخلد التميمي قال لما عزل أبو العباس الهمداني من قضاء الرى وبخاري لتجديد مودة كانت بينه وبين أبي الفضل فنزل في جوارنا فحملني اله معلمى وقال أسألك أن تحدث هذا الصبي بما سمعته من مشايخك قال مالي سماع قال كيف وأنت فقيه فما هذا قال لأني لما بلغت مبلغ الرجال اشتاقت نفسي الى معرفة الحديث ورواية الأخبار وسماعها فقصدت محمد ابن اسماعيل وسألته الإقبال على ذلك فقال يا بني لا تدخل على أمر حتى تعرف حدوده والوقوف على مقداره فقلت له عرفني يرحمك الله حدود ما تصديت له ومقدار ما سلكت إليه وسألتك عنه فقال لي اعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا في الحديث إلا أن يكتب أربعا مع أربع عند أربع بأربع على أربع عن أربع لأربع وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع أربع فإذا تمت له هان عليه أربع وابتلى بأربع فإذا صبر على ذلك أكرمه الله بأربع وأثابه في الآخرة بأربع فقلت له فسر لي ما ذكر من أحوال هذه الرباعيات من قلب صاف منشرح كاف وبيان شاف طالبا لأجر واف فقال نعم أما الأربع التي يحتاج إلى كتبها فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم وشرائعه والصحابة ومقاديرهم والتابعين وأحوالهم وسائر العلماء وتواريخهم مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأزمنتهم كالتحميد مع الخطب والدعاء مع الرسائل والبسملة مع السور والتكبيرات مع الصلوات مثل المسندات والمرسلات والموضوعات والمقطوعات في صغره وإدراكه وكهولته وشبابه عند فراغه وعند شغله وعند فقره وعند غناه بالجبال والبحار والبلدان والبراري على الأحجار والأصداف والجلود والأكتاف إلى الوقت الذي يمكنه نقله إلى الأوراق عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه وعن إليه يتيقن أنه خطه دون غيره لوجه الله تعالى طالبا لمرضاته والعمل بموافق كتاب الله تعالى ونشرها بين طالبها والتأليف في إحياء ذكره بعده ثم لا تتم هذه الأشياء الا بأربع معرفة الكتابة والثقة والضبط والنحو مع أربع هي من محض عطاء الله تعالى القدرة والصحة والحرص والحفظ فاذا تمت هذه الأشياء هان عليه أربع الأهل والمال والوطن والولد وابتلى بأربع شماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهلاء وحسد العلماء فإذا صبر على هذه المحن الأربع أكرمه الله تعالى بأربع بعز القناعة و تهنئة النفس و لذة العلم و حسن الذكر و أثابه في الآخرة بأربع بالشفاعة لن أرد من أحبابه و بظل العرش يوم لا ظل إلا ظله ويسقي من أراد من حوض نبيه وبجوار الرحمن في أعلى عليين في الجنة فقد أخبرتك يابني بجملة ماكنت سمعته من مشايخي متفرقا في هذا الباب فاقبل الآن على ماقصدتني له أو دع ، قال : فهالني قوله فسكت متفكراً و طرقت نادماً فلما رأى ذلك مني قال لي : فإذا لم تطق هذه المشاق كلها فعليك بالفقه الذي يمكنك فعله وأنت ببينك لا تحتاج لبعد الأسفار ووطء الديار وركوب البحار وهو مع ذلك ثمرة الحديث وليس ثواب الفقه دون ثواب الحديث في الآخرة ولا فن الفقيه بأقل من فن المحدث . قال : فلما سمعت ذلك نقض عزمي في طلب الحديث وأقيلت على دراسة الفقه و تعلمه إلى أن صرت متقدماً فيه فلذلك لم يكن عندي ما أمليه على هذا الصبي فقال له المعلم أن هذا الحديث الذي لا يوجد عند غيرك انتهى واستفيد من ذلك مزيد فضل الفقه وأنه ثمرة الحديث وان كان طلب الحديث أشد وتحصيله أشق وحكى الخطيب في تاريخ بغداد أن معتزليا لا محدثا على كثرة كتابه فقال يا بني كم تكتب يذهب بصرك ويحدو دب ظهرك ويزداد فقرك ثم كتب له بظهر كتابه .
إن التفقه والقراءة والتشاغل بالعلوم *** أصل المذلة والاذاية والمهانة والهموم
فلما قرأها قال :كذب عدو نفسه بل يرتفع ذكرك وينشر علمك ويبقى اسمك مع اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ثم كتب له
أن التشاغل بالدفاتر والكتابة والدراسة *** أصل التفقه والزهادة والفهامة والرياسة
وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه : من حفظ الفقه عظمت قيمته ومن تعلم الحديث قويت حجته ومن تعلم الشعر والعربية رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن لم يصن نفسه لم ينفه علمه . اهـ .

من فتاوي الحديثية . ص.202-203

1 comment: